كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقوله: {أَلا يَتَّقُونَ} لو كان مكانها: ألا تتّقون كان صوابا لأن موسى أمر أن يقول لهم ألا تتّقون. فكانت التّاء تجوز لخطاب موسى إيّاهم. وجازت الياء لأنّ التّنزيل قبل الخطاب، وهو بمنزلة قول اللّه {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} و{سيغلبون}.
وقوله: {وَيَضِيقُ صَدْرِي} مرفوعة لأنّها مردودة على {أخاف} ولو نصبت بالرد على {يكذبون} كانت نصبا صوابا. والوجه الرفع لأنّه أخبر أنّ صدره يضيق وذكر العلّة التي كانت بلسانه، فتلك ممّا لا تخاف لأنها قد كانت.
وقوله: {فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ} ولم يذكر معونة ولا مؤازرة. وذلك أن المعنى معلوم كما تقول: لو أتانى مكروه لأرسلت إليك، ومعناه: لتعيننى وتغيثنى. وإذا كان المعنى معلوما طرح منه ما يردّ الكلام إلى الإيجاز.
وقوله: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} قتله النفس فالفعلة منصوبة الفاء لأنها مرّة واحدة.
ولا تكون وهى مرّة فعلة. ولو أريد بها مثل الجلسة والمشية جاز كسرها. حدّثنا أبو العباس، قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى موسى الأنصاري عن السّرىّ بن إسماعيل عن الشّعبىّ أنه قرأ: {وفعلت فعلتك} بكسر الفاء ولم يقرأ بها غيره.
وقوله: {وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ} وأنت الآن من الكافرين لنعمتى أي لتربيتى إياك وهى في قراءة عبد اللّه {قال فعلتها إذا وأنا من الجاهلين} والضالّين والجاهلين يكونان بمعنى واحد لأنّك تقول: جهلت الطريق وضللته. قال الفراء: إذا ضاع منك الشيء فقد أضللته.
وقوله: {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا (21)} التوراة.
وقوله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ (22)} يقول: هي لعمرى نعمة إذ ربّيتنى ولم تستعبدنى كاستعبادك بنى إسرائيل. فأن تدلّ على ذلك. ومثله في الكلام أن تترك أحد عبديك أن تضربه وتضرب الآخر، فيقول المتروك هذه نعمة علىّ أن ضربت فلانا وتركتنى. ثم يحذف وتركتنى والمعنى قائم معروف. والعرب تقول: عبّدت العبيد وأعبدتهم.
أنشدنى بعض العرب:
علام يعبدنى قومى وقد كثرت ** فيهم أبا عرما شاءوا وعبدان

وقد تكون أن رفعا ونصبا. أمّا الرفع فعلى قولك وتلك نعمة تمنّها علىّ: تعبيدك بنى إسرائيل والنصب: تمنّها علىّ لتعبيدك بنى إسرائيل.
ويقول القائل: أين جواب قوله: {قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ} (25) فيقال: إنه إنما أراد بقوله: {أَلا تَسْتَمِعُونَ} إلى قول موسى. فردّ موسى لأنه المراد بالجواب فقال: الذي أدعوكم إلى عبادته {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}.
(26) وكذلك قوله: {قال ربّ المشرق والمغرب}.
(28) يقول: أدعوكم إلى عبادة ربّ المشرق والمغرب وما بينهما.
وقوله: {أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)} وجه الكلام أن تفتح أن لأنها ماضية وهى في مذهب جزاء. ولو كسرت ونوى بما بعدها الجزم كان صوابا. وقوله: {كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} يقولون: أول مؤمنى أهل زماننا.
وقوله: {إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} (54) يقول عصبة قليلة وقليلون وكثيرون وأكثر كلام العرب أن يقولوا: قومك قليل وقومنا كثير. وقليلون وكثيرون جائز عربىّ وإنما جاز لأن القلّة إنما تدخلهم جميعا. فقيل: قليل، وأوثر قليل على قليلين. وجاز الجمع إذ كانت القلّة تلزم جميعهم في المعنى فظهرت أسماؤهم على ذلك. ومثله أنتم حىّ واحد وحىّ واحدون. ومعنى واحدون واحد كما قال الكميت:
فردّ قواصى الأحياء منهم ** فقد رجعوا كحىّ واحدينا

وقوله: {حاذِرُونَ (56)} وحذرون حدّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثنى أبو ليلى السجستاني عن أبى جرير قاضى سجستان أن ابن مسعود قرأ: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ} يقولون: مؤدون في السّلاح. يقول: ذوو أداة من السّلاح. و{حذرون} وكأن الحاذر: الذي يحذرك الآن. وكأنّ الحذر: المخلوق حذرا لا تلقاه إلّا حذرا.
وقوله: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} (61) و{لمدّركون} مفتعلون من الإدراك كما تقول: حفرت واحتفرت بمعنى واحد، فكذلك {لمدركون} و{لمدّركون} معناهما واحد واللّه أعلم.
وقوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77)} أي كلّ آلهة لكم فلا أعبدها إلا ربّ العالمين فإنى أعبده. ونصبه بالاستثناء، كأنه قال هم عدوّ غير معبود إلّا رب العالمين فإنى أعبده. وإنما قالوا {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} أي لو عبدتم كانوا لى يوم القيامة ضدّا وعدوّا.
وقوله: {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)} حدّثنى عمرو بن أبى المقدام عن الحكم عن مجاهد قال: ثناء حسنا.
وقوله: {وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)} وذكر أن بعض القراء قرأ: وأتباعك الأرذلون ولكنّى لم أجده عن القراء المعروفين وهو وجه حسن.
وقوله: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ (128)} و{ريع} لغتان مثل الرّير والرار وهو المخّ الردئ.
وتقول راع الطّعام إذا كان له ريع.
وقوله: {وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)} معناه: كيا تخلدوا.
وقوله: {وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)} تقتلون على الغضب. هذا قول الكلبىّ. وقال غيره {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} بالسوط.
قوله: {خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)} وقراءة الكسائي {خلق الأوّلين} قال الفراء: وقراءتى {خلق الأولين} فمن قرأ: {خلق} يقول: اختلاقهم وكذبهم ومن قرأ: {خلق الأولين} يقول: عادة الأولين أي وراثة أبيك عن أول. والعرب تقول: حدّثنا بأحاديث الخلق وهى الخرافات المفتعلة وأشباهها فلذلك اخترت الخلق.
وقوله: {هَضِيمٌ (148)} يقول: مادام في كوافيره وهو الطّلع. والعرب تسمّى الطلع الكفرّى والكوافير واحدته كافورة، وكفرّاة واحدة الكفرّى.
وقوله: {بُيُوتًا فارِهِينَ (149)} حاذقين و{فرهين} أشرين.
وقوله: {إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)} قالوا له: لست بملك إنما أنت بشر مثلنا. والمسحّر:
المجوّف، كأنه- واللّه أعلم- من قولك: انتفخ سحرك أي أنك تأكل الطعام والشراب وتسحّر به وتعلّل. وقال الشاعر:
فإن تسألينا فيم نحن فإنّنا ** عصافير من هذا الأنام المسحّر

يريد: المعلّل والمخدوع. ونرى أنّ السّاحر من ذلك أخذ.
وقوله: {لَها شِرْبٌ (155)} لها حظّ من الماء. والشّرب والشّرب مصدران. وقد قالت العرب:
آخرها أقلّها شربا وشربا وشربا.
وقوله: {وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ (166)} ما جعل لكم من الفروج. وفي قراءة عبد اللّه {ما أصلح لكم ربّكم}.
وقوله: {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغابِرِينَ (171)} والغابرون الباقون. ومن ذلك قول الشاعر: وهو الحارث بن حلّزة:
لا تكسع الشّول بأغبارها ** إنّك لا تدرى من الناتج

الأغبار ها هنا بقايا اللبن في ضروع الإبل وغيرها، واحدها غبر. قال وأنشدنى بعض بنى أسد وهو أبو القمقام:
تذبّ منها كلّ حيزبون ** مانعة لغبرها زبون

وقوله: {وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)} قرأها عاصم والأعمش بكسر الجيم وتشديد اللام، ورفعها آخرون. واللام مشدّدة في القولين: {وَالْجِبِلَّةَ}.
وقوله: {أَوَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (197)} يقول: يعلمون علم محمد صلى اللّه عليه وسلم أنه نبىّ في كتابهم.
الآية منصوبة و{أن} في موضع رفع. ولو قلت: {أو لم تكن لهم آية} بالرّفع {أن يعلمه} تجعل {أن} في موضع نصب لجاز ذلك.
وقوله: {وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198)} الأعجم في لسانه. والأعجمىّ المنسوب إلى أصله إلى العجم وإن كان فصيحا. ومن قال: أعجم قال للمرأة عجماء إذا لم تحسن العربيّة ويجوز أن تقول عجمىّ تريد أعجمىّ تنسبه إلى أصله.
وقوله: {كَذلِكَ سَلَكْناهُ (200)} يقول: سلكنا التكذيب في قلوب المجرمين كى لا يؤمنوا به {حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ} وإن كان موقع كى في مثل هذا لا وأن جميعا صلح الجزم في لا والرفع. والعرب تقول: ربطت الفرس لا يتفلّت جزما ورفعا. وأوثقت العبد لا يفرر جزما ورفعا. وإنما جزم لأن تأويله إن لم أربطه فرّ فجزم على التأويل. أنشدنى بعض بنى عقيل:
وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا ** مساكتة لا يقرف الشرّ قارف

ينشد رفعا وجزما. وقال آخر:
لو كنت إذ جئتنا حاولت رؤيتنا ** أو جئتنا ماشيا لا يعرف الفرس

رفعا وجزما وقوله:
لطالما حلأ نماها لا ترد ** فخلّياها والسّجال تبترد

من ذلك.
وقوله: {نزّل به الرّوح الأمين (193)} كذا قرأها القراء. وقرأها الأعمش وعاصم والحسن {نزّل به} بالتشديد. ونصبوا {الروح الأمين} وهو جبريل {عَلى قَلْبِكَ} يتلوه عليك. ورفع أهل المدينة {الرُّوحُ الْأَمِينُ} وخفّفوا {نَزَلَ} وهما سواء في المعنى.
وقوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)} وإنّ هذا القرآن لفى بعض زبر الأولين وكتبهم.
فقال: {فى زبر} وإنما هو في بعضها، وذلك واسع لأنك تقول: ذهب الناس وإنما ذهب بعضهم.
وقوله: {إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (208)} وفى موضع آخر: {إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ} وقد فسّر هذا.
وقوله: {ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209)} ذكرى في موضع نصب أي ينذرونهم تذكرة وذكرى. ولو قلت: {ذِكْرى} في موضع رفع أصبت، أي: ذلك ذكرى، وتلك ذكرى.
وقوله: {وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (210)} ترفع النون.
قال الفراء: وجاء عن الحسن {الشياطون} وكأنه من غلط الشيخ ظنّ أنه بمنزلة المسلمين والمسلمون.
وقوله: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)} يعنى الشياطين برجم الكواكب.
وقوله: {يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وتقلّبك في السّاجدين (219)} يقول: يرى تقلبك في المصلّين. وتقلّبه قيامه وركوعه وسجوده.
وقوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221)} كانت الشياطين قبل أن ترجم تأتى الكهنة مثل مسيلمة الكذّاب وطليحة وسجاح فيلقون إليهم بعض ما يسمعون ويكذبون فذلك {يلقون} إلى كهنتهم {السّمع} الذي سمعوا {وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ}.
وقوله: {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224)} نزلت في ابن الزّبعرى وأشباهه لأنهم كانوا يهجون النبىّ صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين.
وقوله: {يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ} غواتهم الذين يرون سبّ النبي عليه السلام.
ثم استثنى شعراء المسلمين فقال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا (227)} لأنهم ردّوا عليهم: فذلك قوله: {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا} وقد قرئت {يتّبعهم الغاوون} و{يتبعهم} وكل صواب. اهـ.